- الكود:
مقتبس من الوطن نيوز
مستقبل ثورات الربيع العربى
السيد ياسين
بعد مرور أكثر من عام على الإطاحة بالنظم الحاكمة فى كل من تونس ومصر
وليبيا تثور تساؤلات متعددة حول مدى نجاح أو إخفاق هذه الثورات المتلاحقة
فى تحقيق أهدافها المعلنة.
قد يكون من باب التعجل فى إصدار الأحكام الحديث عن نجاح أو إخفاق
هذه الثورات، وخصوصاً أنه لم يتح لها إلا وقت بالغ القصر لكى تشق طريقها
بعد إسقاط النظم السياسية الديكتاتورية التى جثمت على صدور الشعوب العربية
فى هذه البلاد.
ونعرف من الدراسة المقارنة للثورات العالمية أن العملية الثورية
التى تتمثل فى إسقاط النظام القديم وتأسيس نظام سياسى واجتماعى جديد تحتاج
إلى سنوات طويلة. وذلك لأن التغيير الجذرى لبنية المجتمع لابد له أن يعمل
على إعادة صياغة التوجهات الأساسية من خلال صياغة نسق جديد من القيم، يتفق
مع أهداف الثورة فى كل البلاد التى قامت فيها.
وفى تقديرى أن تحديد الإشكاليات الأساسية التى تواجه الثورة فى كل
من تونس ومصر وليبيا، قد تكون هى المدخل الذى على أساسه يمكن أن نحدد مدى
نجاح أو إخفاق أى ثورة فى تحقيق أهدافها.
ولو بدأنا بالثورة التونسية لقلنا أن الإشكالية الرئيسية تكمن فى
قدرة حزب "النهضة" الذى حصل على الأغلبية فى الانتخابات فى مقاومة نزعة
الهيمنة الكاملة على مجمل الفضاء السياسى التونسى، والتى قد تؤدى إلى بروز
معارضة عنيفة تقودها الأحزاب السياسية الأخرى، والاتجاه إلى التفاهم
السياسى لتحقيق الوفاق الوطنى.
أما بالنسبة لثورة 25 يناير المصرية فالإشكالية الرئيسية تتمثل فى
الصراع بين التيارات السياسية من دعاة الدولة المدنية، وجماعة "الإخوان
المسلمين" والأحزاب السلفية من أنصار الدولة الدينية.
ويمكن القول أن محك الحكم بنجاح الثورة أو إخفاقها يتمثل فى نتيجة الصراع بين هذين التيارين.
لو تغلب أنصار الدولة المدنية يمكن أن نعتبر أن الثورة قد نجحت.
وعلى العكس لو نجح أنصار الدولة الدينية فى الهيمنة الكاملة على
مجمل الفضاء السياسى المصرى، ونعنى المؤسسات البرلمانية (مجلس الشعب
والشورى)، والسلطة التنفيذية (حكومة إخوانية)، ورئاسة الجمهورية (رئيس
إخوانى)، فلا شك أنه يمكن الحكم القاطع بأن الثورة قد فشلت فشلاً مطلقاً.
وتبقى الإشكالية الرئيسية فى حالة الثورة الليبية وهى التى تتمثل فى
قدرة المجلس الانتقالى فى الحفاظ على وحدة الدولة الليبية ضد محاولات
التجزئة والانفصال والتى بدأت بالفعل بوادرها.
وذلك بالإضافة إلى المواجهة الفعالة لحوادث التمرد على السلطة
المركزية التى تقوم بها فصائل ثورية متعددة، وكذلك الصراعات القبلية بين
طوائف شتى من الفصائل الثورية التى رفضت تسليم سلاحها للسلطات.
ولا شك أن صعود تيارات الإسلام السياسى فى كل من تونس ومصر كما
أبرزت الانتخابات التى جرت فيها تثير تساؤلات كبيرة عن أسباب هذا الصعود
وما هى علاقته بالثورات التى حدثت؟
يمكن القول أن الصعود الكبير للإسلام السياسى فى المجتمع العربى لا
يرتبط بثورات الربيع العربى، لأنه ظاهرة تم رصدها منذ سنوات طويلة.
ولعل بداية الصعود يمكن تحديدها بشكل تقريبى بالفترة التى أعقبت
هزيمة يونيو 1967، والتى كانت فى الواقع زلزالاً مروعاً أثر على وجدان
المواطنين العرب فى المشرق والمغرب والخليج. وكانت مؤشراً على هبوط التيار
القومى الذى لم يستطع ممثليه فى كل من مصر وسوريا الحفاظ على التراب الوطنى
العربى من اجتياح إسرائيل له، مما أدى إلى احتلال سيناء المصرية بالكامل،
واحتلال الضفة الغربية، وهزيمة الجيوش العربية هزيمة نكراء.
وقد بدأت بعد الهزيمة "معركة تفسير الهزيمة"، والتى أثيرت بصددها
تساؤلات جوهرية قد تصلح لو استعرضناها أن نحدد لماذا صعد تيار الإسلام
السياسى.
غير أنه قد يكون من باب المبالغة رد صعود تيار الإسلام السياسى إلى
رد الفعل على هزيمة يونيو 1967، لأنه لو طبقنا المنهج التاريخى لأدركنا أن
التيار الإسلامى له وجود فى التربة الثقافية العربية منذ الاستجابات الأولى
للتحدى الغربى، والتى تمثلت فى الاستجابات الدينية والليبرالية
والتكنولوجية.
ويضيق المجال عن التنبع التفصيلى للمصائر التاريخية للتيارات التى مثلتها هذه الاستجابات الثلاث.
ولو أردنا الإيجاز لقلنا أن التيار الليبرالى نجح فى أن يبسط رواقه
على بلاد عربية شتى فى مقدمتها مصر والعراق وسوريا وتونس والمغرب، وصعد على
حساب التيار الإسلامى الذى همش بل قمع أنصاره فى عديد من هذه البلاد.
وهكذا يمكن القول أن هزيمة يونيو 1967 فتحت الباب واسعاً وعريضاً
أمام انتشار التيارات الإسلامية بأطيافها المختلفة، ونعنى من تبنت قيم
الوسطية وتلك التى لجأت إلى الإرهاب لقلب النظم العربية العلمانية.
غير أنه يمكن القول أنه بعد أن دار الزمن دورته وقامت الثورات فى كل
من تونس ومصر وليبيا، وشهدنا صعود الأحزاب السياسية الإسلامية بعد فوزها
فى الانتخابات، سيبقى السؤال الرئيسى هل ستستطيع هذه الأحزاب السياسية
الإسلامية سواء كان حزب النهضة فى تونس أو حزب "الحرية والعدالة" فى مصر أن
تجتاز اختيارات الديموقراطية والحداثة؟
سننتظر الإجابة فى المدى القصير، بعد أن يتاح فيها لهذه الأحزاب أن تتصدر المشهد السياسى وتمارس الحكم فعلاً
.