Admin كتب:[right]تقوم الحياة البشرية على العلاقات الإنسانية، بما في ذلك العلاقات العاطفية والدينية والفكرية والسياسية والتجارية والعائلية، والمهنية …، بمعنى أنها تقوم على التواصل، فالإنسان يتواصل يوميا مع أفراد العائلة، مع الزملاء في العمل، مع الناس في الشارع، ومع الرفاق والأصدقاء، ومع من هو في حاجة إليهم لظروف خاصة أو عرضية أو دائمة.فإذا كان التواصل يدخل في صميم الحياة البشرية منذ أن وجد الإنسان على الأرض، فإن دراسة هذا الموضوع لم تبدأ إلا في السنوات الأخيرة، وأصبح محط اهتمام العلماء من مختلف الميادين، وذلك لأهميته القصوى في الحياة، تكمن هذه الأهمية في مجالات التربية والعلاج والصناعة، وفي نشاط العصبة groupe ) (، والحياة السياسية والعاطفية والعلمية وما إلى ذلك.فماذا نقصد إذن بالتواصل ؟.I - مفهوم التواصلإذا ما بحثنا في كلمة تواصل communication نجد أن هناك تعريفات متعددة للكلمة، من بينها: أن التواصل هو فعل تأسيس علاقة مع الأخر. هو فعل توصيل شيء ما لشخص ما. وقد جاء في قاموس لاروس الفرنسي بعض المعاني المرادفة لفعل " تواصل " communiquer ومنها: نقل شعورا أو فكرة أو رأيا إلى شخص أخر .وقد يحدث التواصل مباشرة مع الشخص الآخر وجها لوجه، أو بواسطة الهاتف أو الرسائل أو عن طريق شخص ثالث ( وسيط ) ويمكن الجمع بين هذه التعريفات وتلك في كون أن هناك علاقة بين شخصين أو أكثر قائمة إما على نقل خبر أو فكرة أو تصور حول موضوع ما …ولتشخيص عملية التواصل الإنساني ينظر "ستيورات" إلى التواصل على أنه "عملية ذهنية فيزيائية، وظيفتها توضيح المعنى المقصود " فالمقصود بالعملية الذهنية هو مجموعة من الرموز الفيزيائية من أصوات وكلمات وحروف وإدراك حسي، بالإضافة إلى وظيفة الجهاز العصبي والدماغ. يقول ستيوارت: " إن عملية التواصل الإنساني معقدة، وعلينا أن نشير أولا إلى أن هذه العملية ،تتعلق بالضرورة بظواهر ترتبط بعالمين: العالم الذهني والعالم الفيزيائي، وثانيا إن التفسير الصحيح لهذا الشيء يستدعي المعرفة التي يمكن تحقيقها حول العلاقة بين الفكر والجسد ".(1)إذن هناك رموز داخلة في عملية التواصل، وهذه الرموز لا تكفي وحدها لتحقيق العملية، فهي وسيلة إيصال عدد من الأخبار والمعاني إلى جهاز الإستقبال، وبالتالي فنحن أمام هدف سيكولوجي يمكن الوصول إليه من وراء تلك الرموز. وبلوغ هذا الهدف يتوقف على حل الرموز،وفهم المعاني،وهنا تظهر قيمة التفكير والفعاليات الذهنية… (2)فعملية التواصل تستوجب على الشخص نشاطا مزدوجا. إستقبال الرموز الفيزيائية من أصوات وحركات وكلمات … عن طريق الحواس والجهاز العصبي، وهنا يظهر دور الجسم في هذه العملية. وهناك الفكر أو الدماغ الذي يستوعب الرسائل ويفك الرموز، ويفهم المعنى المقصود.فالتواصل إذن في نظر «ستيوارت» هو عملية ذهنية نفسية تتم بين (أ) و (ب) وتستدعي إستخدام مجموعة من الرموز الفيزيائية لإيصال رسالة ما. والهدف المنشود من ذلك هو توضيح المعنى المقصود أي حل الترميز (codage)، وحتى يكون لتلك الرموز مدلولا يجب توفر نظام فكري قادر على فك الغموض وفهم المعنى، بالإضافة إلى وجود رموز فيزيائية مشتركة (اللغة مثلا)، وبالتالي فنحن أمام ثلاث أجهزة تتداخل فيما بينها ضمن عملية الإخبار وهي الجهاز المركزي (الدماغ) الذي يعتبر مصدر الأخبار والأفكار، جهاز الفعل الخارجي أي فعل الحواس والحركات قصد إعطاء الأوامر من جانب الدماغ. وهناك جهاز الإستقبال أو التلقي الخارجي أي مجموع الرسائل والمثيرات التي تأتينا من الخارج وتستقبلها حواسنا لتوصلها فيما بعد إلى الدماغ وذلك على الشكل الأتي: (3)إدراك حسي ثم ترميز ثم حل الترميز في الدماغ .ويرى "دوسوسير " أن نقطة انطلاق هذه العملية تكمن في ذهن أحد الأشخاص وليكن مثلا الشخص (أ) حيت توجد الأحداث الشعورية مرتبطة بتمثلات الرموز اللغوية أو بالصور الإيصاتية المستعملة للتعبير عن هذه التمثلات (représentations) فإذا أثار تصور معين في العقل صورة إيصاتية مطابقة له ، فنحن أمام ظاهرة سيكولوجية متبوعة بإجراء فيزيولوجي حيث يبث العقل ذبذبات مرتبطة بالصورة إلى أعضاء النطق، وبعد ذلك تنطلق الموجات الصوتية من فم (أ) إلى أذن (ب) وهو إجراء فيزيائي محض، وبعد هذا يمتد التيار داخل عقل (ب) في اتجاه معاكس أي من الأذن إلى العقل قصد توصيل الصورة الصوتية فيزيولوجيا، فتتم داخل العقل عملية الربط النسقي لهذه الصورة مع التطور المطابق المختزن، وإذا تكلم (ب) فإن الأداء سيتتبع تماما نفس المراحل المتتالية التي يسلكها في البداية انطلاقا من (أ).و بذلك يمكن تحديد العناصر الأساسية لتحقيق التواصل، هذه الأخيره تساعد على تمييز الجوانب الفيزيائية (الموجات الصوتية)عن الجوانب الفيزيولوجية(النطق والإستماع)، ثم عن الجوانب السيكولوجية (تمثل التصورات والمفاهيم وتشخيصها على شكل صور). وهذا يمكننا من التمييز بين الصور اللغوية والصوت في حد ذاته، ومن إدراك هذه الصورة كمعطى فكري سيكولوجي يتوافق مع التصور والمفهوم المطابق له ذهنيا(4).وعموما، فالتواصل يقوم على نقل بعض الرموز والإشارات والأفكار والمفاهيم من (أ) إلى (ب). يمثل (أ) جهاز الإرسال، و(ب) جهاز الإستقبال، وكيلهما يتبادلان التأثر والتأثير فيما بينهما، فالشخص (أ) يدخل في علاقة مع (ب) ويتحدث إليه ويحمل إليه أخبارا ومعاني، كما أن (ب) يستقبل الأخبار المرسلة من (أ) ويحاول إستيعابها وإدراك معانيها، ولتحقيق ذلك فهو يدخل في حوار متبادل مع (أ) فإما أن يتقبل أفكاره أو يرفضها، فهناك إذن علاقة إرسال وإستقبال بين الأفراد.هذا وتنبني عملية التواصل على أربع عناصر أساسة وهي: (5)- المرسل : وهو الشخص الذي يقوم بتسنين الإرسالية، وذلك بجمع مضمونها في توفيقات رمزية ينطقها أو يكتبها، ولا يخفى ما تفرضه عملية النطق من شروط كالتحكم في النظام الفونولوجي للغة، وما يتطلبه التعبير من تحكم في الأنظمة الصرفية والنحوية والدلالية وهي نفس الأنظمـة التي تفرضـها عملية التعبير الكتابي، إلا أن هذه الأخيرة تتطلب إضافة إلى ما سبق، التحكم في طبقة الترميز المتواضعة أي ترجمة الإرسالية إلى رموز خطية.- الإرسالية : وهي الشحنة الدلالية التي تتضمنها التوفيقات المتداخلة من الأصوات (الفونيمات)، أو التي تعكسها رموز خطية ويشترط فيها أن تكون مسايرة لما تواضعت عليه المجموعة من ضوابط وقواعد حتى يسهل التواصل والتفاهم بين طرفي الإرسالية، وفي بعض الحالات الخاصة يتم تعويض اللغة المتداولة برموز أخرى وإشارات خاصة متفق عليها مسبقا بين الطرفين لاستعمالها في تسنين الإرسالية في شكلها السري. ويتطلب الترميز في هذه الحالة جهودا مضاعفة من الشخص المرسل والشخص المتلقي، ذلك لأن التحكم في النسق اللغوي المتداول لا يكفي حينئد، سواء في حالة الترميز أو فك الرموز، فيجب إذن التمكن من نظام تسنيني خاص، كالشفرة مثلا، ليتم التواصل.
- شبكة التواصل : وهي مجموع القنوات أو الوسائل التي تتحقق عن طريقها عملية التواصل، فتبقى اللغة أهم هذه الوسائل. يقول "شيري" cherry :« إن أهم أنظمة التواصل هو بالطبع الكلام الإنساني واللغة». فاللغة هي نشاط عقلي منظم ومميز من شأنه تنظيم العمليات العقلية المعرفية وتسهيل مجالات التواصل الإنساني.(6) ِِّّوكما يقول الدكتور غسان يعقوب: «ولا إتصال، دون نظام من الرموز»(7) وهو يقصد بذلك اللغة، هذه الرموز تعرف بوحدة التواصل، تتناول هذه الوحدة عدة عناصر دالة أو وحدات صغيرة لها مدلولها (وحدة الدلالة ). فيمكن تقسيم الحديث المرسل من (أ) إلى (ب) إلى وحدات دالة (كلمات، عبارات، جمل…) هذه الكلمات والجمل تعبر عن فكرة ما أو شيء ما وذلك بتداخلها مع بعضها البعض ضمن وحدة التواصل العامة.
وقد تتدخل قنوات أخرى غير لغوية في عملية التواصل، ويتعلق الأمر هنا بتعابير الوجه والإيماءات والحركات، وكذلك المظهر الخارجي وما إلى ذلك. فالوجه هو النافدة التي تطل منها الأنا على العالم الخارجي، فيقوم بدور فعال في تنشيط العلاقة بين الأشخاص، ولذلك يمكن إعتبار تعابير الوجه إحدى الوسائل التي نعبر بها عما نشعر به وما نود إيصالـه إلى الأخـر، كإنفتاح الاسارير في حالـة الفـرح ،وإنقباضها في حالة الغضب والإبتسام عند الرضى…، أما الإيماءات فقد تحل بدورها محل الكلام في بعض الأحيان، وذلك بالإعتماد على الأصابع وتحركاتها، فإما أن تدل على إصدار أوامر أو تهديد، أوتقريب شخص ما أو إبعاده أو ما إلى ذلك بحسب حركات الأصابع. وهناك أيضا المظهر الخارجي، فهو يؤثر بشكل جلي في الشخص الآخر، فإختيار الألوان وأشكال الزي كلها تعبر عن دوافع شخصية ونفسية قد يفهمها الآخر ويستوعبها ويتفاعل معها.
وهناك قنوات التواصل غير المباشر مثل الهاتف، والرسائل المكتوبة، والتلفاز ووسائل الإعلام بصفة عامة، كل هذا يمكن من تحقيق التواصل بين الأفراد والجماعات.- المتلقي : وهو الطرف الآخر الذي يتلقى الإرسالية، ويشترط فيه إتقان اللغة أو الوسيلة المستعملة من طرف المرسل، كان المضمون منطوقا أو مكتوبا، مسموعا أو مقروء فلا يجب أن يتعدى الضجيج أو عدم وضوح الرموز الحد الذي يصعب معه إلتقاط هذه الرموز وإدراكها من طرف المتلقي، مثل حدوث عملية التواصل داخل فصل غير منضبط تعمه الفوضى، أو عند قراءة كتابة بخط غير واضح.وبصفة عامة فشروط التواصل تكمن في:1-اشتراك المرسل والمتلقي في نفس الموقف التواصلي.2- اشتراكهما في الموقف الوجداني، أو بعبارة أو ضح، إهتمامهما بموضوع الإرسالية.3- اشتراكهما في نفس التجارب اللسانية أو الرمزية.4-توافر الحد الأدنى في وضوح قناة التواصل.5- توافرهما على قدرة لسانية وأداء كلا مي يسمح لهما بالترميز وفك الرموز.وفي جميع الحالات يشترط إشتراك طرفي التواصل (المرسل والمتلقي) في قاسم مشترك يوحد إدراكيهما، وفي مصدر إرجاعي يوحد فهميهما لمضامين الإرساليات( وبالتالي فلا حديث عن عملية تواصل، بدون حضور هذه العناصر جميعها، مترابطة ومتكاملة فيما بينها للقيام بهذه العملية، فالمرسل هو المتكلم، والمتلقي هو المستمع، أما الوسائل/ القنوات التي تمر عبرها الإرساليات، فإن أفضلها بل أهمها هو اللغة كوسيلة مباشرة.
*** مرحبا بك زائرنا الكريم في منتداك " التواصل التونسي " ***
انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل